فتنة الكلمات وخيانة الانتماء: حين يتحوّل الخطاب السياسي إلى طعن في الوطن



في لحظة تاريخية بالغة الحساسية، يعيش فيها المغرب تحديات إقليمية وأمنية متعددة، لا سيما في ظل تنامي التهديدات القادمة من شرق الصحراء، خرجت على السطح أصوات “من الداخل” تمارس دور المعاول التي تهدم جدران الثقة، بدل أن تساند البناء الوطني.

خمسة وجوه سياسية وإعلامية برزت خلال هذه السنوات الأخيرة بتصريحات مريبة، تحولت من “الرأي” إلى “تحريض”، ومن “الموقف” إلى “الفتنة”:

أحمد ويحمان، عزيز هناوي، عبد الإله بن كيران، عبد الله بووانو، وحميد المهداوي.


ويحمان: إسقاط النظام باسم فلسطين

أحمد ويحمان لم يعد يكتفي بموقف ضد التطبيع، بل تجاوزه ليحرّض على “إسقاط النظام”.

عباراته لم تخلُ من تهديد صريح لوحدة الوطن، عندما قال: “التطبيع يسقط النظام… ومن يطبّع فهو خائن ويستحق اللعنة”،

متناسياً أن التطبيع قرار سيادي تتخذه الدولة بما يراعي مصالحها العليا، دون أن يُلغي دعم المغرب لفلسطين، الذي لم يتوقف يومًا منذ عهد السلطان محمد الخامس.

وإن كان التطبيع خطأ حسب رأيه، فهل يصبح الحل هو الدعوة للفوضى وإسقاط الاستقرار؟ أليس هذا تحريضًا صريحًا يُجرّمه الدستور المغربي نفسه في فصله السابع.


هناوي: من اتهام المواطنين إلى تخوين الدولة

عزيز هناوي، الذراع الأيديولوجي لو يحمان، دأب على وصف المغاربة الذين لا يتبنون موقفه بـ”المطبعين”، “المنبطحين”، و”الخونة”.

في خرجاته، يُهاجم الدولة والمؤسسات ويتّهمها بالخضوع لـ”الأجندة الصهيونية”، كما لو أنّ المغرب بلد بلا سيادة.

متى أصبح التعبير عن الرأي مُبرّرًا للتهجّم على الدولة وترويع المواطنين؟


بن كيران: من الحشرات إلى تبييض وجه إيران

الرجل الذي قاد الحكومة لعشر سنوات، عاد بخطاب صادم يصف فيه المغاربة بأنهم:

“حشرات… حمير… جهلاء”،

لأنهم قالوا: “تازة قبل غزة”. نسي أن المغاربة الذين يرفعون هذا الشعار إنما يُطالبون بالأولوية للوطن، للجنود الذين يموتون دفاعًا عن تراب الصحراء.

الصدمة الأكبر حين قال بأن إيران دولة لا يجب مهاجمتها، رغم أن تقارير رسمية تؤكد أنها سلّحت جبهة البوليساريو، التي قصفت مدينة السمارة بقذائف عشوائية، فقط قبل أيام.

فهل من الوطنية أن ندافع عن دولة تسعى لتقسيم المغرب؟


عبد الله بووانو: “القتلة إخواني!”

في واحدة من أكثر التصريحات المثيرة للصدمة، وصف عبد الله بووانو عناصر جبهة البوليساريو بـ”الإخوان”، معتبرًا أن ما يفعلونه مجرد “خطأ”.

هذه الجماعة التي صنّفتها الولايات المتحدة الأميركية منظمة إرهابية، ليست إخواننا بل أعداء وحدة الوطن.

هل مات الجنود المغاربة ليقال عن قتلتهم “إخوان”؟

هل تهاون السياسي مع القاتل يدخل في حرية الرأي، أم في خيانة الأمانة الوطنية؟


حميد المهداوي: قذف الشعب والتلاعب بالوجدان

أما المهداوي، فحدّث ولا حرج. في خرجاته المستفزة، وصف أبناء الشعب المغربي بـ”أبناء الحرام وأبناء الزنا”.

هذا قذف صريح، ليس له سند قانوني، ويُعاقب عليه القانون الجنائي المغربي في فصوله المتعلقة بالسب العلني والقذف والمسّ بالكرامة.

متى أصبح منبر الصحافة مطيّةً للتشهير بالشعب؟


بين التحليل القانوني والسياسي

الدستور المغربي يضمن حرية الرأي والتعبير، لكنه يربطها بشروط واضحة:

احترام ثوابت الأمة،

وحدة التراب،

النظام الملكي الديمقراطي،

وعدم المساس بأمن الدولة أو رموزها أو جيشها.


فهل التهجم على الجيش، ووصف النظام بالخيانة، وقذف المواطنين، يدخل في حرية التعبير؟

وهل الدفاع عن جهات تسلّح الانفصاليين يُعتبر “وجهة نظر”؟ أم طعن في السيادة الوطنية؟


البُعد الجيوسياسي: المغرب في مرمى الأعداء

المغرب اليوم مستهدف من أطراف خارجية:

جبهة البوليساريو التي تُروّج لأكاذيب الانفصال،

إيران التي تدعم بالسلاح والطائرات المسيّرة،

جماعات إعلامية خارجية تمارس الدعاية لتأليب الرأي العام المغربي.


وسط هذا السياق، بدل أن تتوحد النخب في صف الوطن، خرج بعض السياسيين لتغذية الانقسام الداخلي، بخطاب غارق في الشعبوية والعدوانية.

في صحراء الوطن، حيث يُقاتل الجنود من أجل وحدة الأرض، يُطرح سؤال مؤلم:

“متى يتورّع الكلام عن تجاوز الأخلاق؟ ومتى يتوقف الخطاب عن التنكّر للوطن؟”

المغرب لا يُساوَم عليه

المغرب ليس سلعة في سوق الولاءات.

المغرب شعبٌ تاريخه أعمق من خناجر التخوين، وأشرف من أن يُقال عنه أنه “حشرة” أو “أبناؤه أبناء زنا”.

المغرب ليس تابعًا لغزة، ولا لإيران، ولا للبوليساريو.

المغرب أولاً، والمغرب دائماً.

أيها السياسي، أيها المثقف، أيها الإعلامي:

تكلم كما شئت، ولكن لا تطعن الوطن.

اختلف كما شئت، ولكن لا تبرر العنف والانفصال.

اعترض كما شئت، ولكن لا تزرع الكراهية في قلوب المغاربة.

الوطن ليس فندقًا تُغادره عندما لا يعجبك الطعام،

الوطن دم في العروق، أرض لا تقبل المساومة،

والخيانة، وإن لبست ثوب الغيرة، تظل خيانة.

المغرب واحد، لا يتجزأ. والمغاربة صفّ واحد، لا يُفتّتهم تحريض، ولا تخوين، ولا تآمر.

ولن يكون قبل المغرب لا غزة، ولا إيران، ولا البوليساريو.

فالوطن أولاً، وآخراً، وأبداً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حين يدفع الهامش الثمن: الهوة بين مغرب النافع والمغرب العميق تزداد اتساعاً

إلى كل من يتجرأ على تشويه نضال الأمازيغ الأحرار ويشكك في وطنيتهم

حين يصبح القمع جوابًا: الشباب المغربي بين الهجرة وقمع الحريات