حين يدفع الهامش الثمن: الهوة بين مغرب النافع والمغرب العميق تزداد اتساعاً

 


تستمر الهوة العميقة بين "مغرب الإدارة النافع" و"المغرب العميق" في التوسع مع كل أزمة تمر بها البلاد، وهو أمر يتجلى بوضوح في تكرار الكوارث الطبيعية وآثارها القاسية على الفئات المهمشة. ما يسمى بـ"مغرب النافع" يتسم بتوفر خدمات البنية التحتية، الرعاية الصحية والتعليم، حيث تتركز الجهود التنموية والاستثمارات الكبرى. في المقابل، يعيش "المغرب العميق"، الذي يشمل القرى والمناطق الجبلية النائية، في ظروف قاسية، حيث تعاني




هذه المناطق من نقص شديد في الخدمات الأساسية وضعف في القدرة على التكيف مع الأزمات المتكررة.


في الأيام الأخيرة، اجتاحت فيضانات مدمرة عدة مناطق في جنوب شرق المغرب، خاصة في إقليم طاطا، حيث فقد 12 شخصًا ولا يزال الكثير في عداد المفقودين. هذه الفيضانات دمرت المنازل وعزلت مناطق بكاملها عن باقي البلاد، مما أدى إلى تفاقم معاناة سكان هذه المناطق الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والخدمات الطارئة. وفيما تناشد الأسر المتضررة السلطات لتقديم الدعم، تأخرت الاستجابة الفعالة، وهو نمط يتكرر في الكوارث الطبيعية التي تضرب المناطق النائية 

هذا التباين في الاستجابة يتجلى بشكل أكبر عند مقارنة الوضع في "المغرب النافع" بالمناطق الريفية. فالمدن الكبرى تكون عادة أكثر استعدادًا لمواجهة الأزمات بسبب توفر البنية التحتية المتطورة والموارد المالية اللازمة. أما في "المغرب العميق"، يظل سكان هذه المناطق أكثر عرضة للخطر بسبب العوامل الجغرافية وضعف الاستثمار في الخدمات الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء، مما يجعلهم عرضة لكوارث طبيعية متكررة مثل الفيضانات والزلازل.


لا يمكن الحديث عن الوضع الحالي دون الإشارة إلى ما حدث قبل أشهر في إقليم الحوز، الذي تعرض لزلزال مدمر ترك آلاف الأسر بلا مأوى. ورغم إنشاء صناديق دعم لمواجهة مثل هذه الأزمات، إلا أن العديد من المتضررين ما زالوا يعيشون في الخيام حتى اليوم، ما يعكس فشل النظام في تحقيق تدخلات سريعة وشاملة. سكان الحوز، شأنهم شأن سكان طاطا اليوم، يجدون أنفسهم عالقين بين الحاجة الملحة للدعم والتأخر في التدخلات الحكومية.


يبدو أن السبب الأساسي وراء هذه الفجوة العميقة هو غياب استراتيجية شاملة تراعي التوازن التنموي بين المناطق الحضرية والريفية. الاستثمار في البنية التحتية يجب أن يكون عادلاً ويغطي كافة المناطق، وليس مقتصرًا على المدن الكبرى التي تعتبر المحرك الاقتصادي للبلاد. الحكومة مطالبة بتطوير سياسات تضمن الحماية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق النائية، حيث يحتاج السكان إلى الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة والمياه، لتقليص التفاوت بينهم وبين سكان المناطق الحضرية 

في خضم هذه الأزمات المتكررة، يعود النقاش مرة أخرى حول مدى كفاءة صناديق الدعم والمساعدات الحكومية. هذه الصناديق، التي تهدف إلى مساعدة المتضررين من الكوارث الطبيعية، لم تكن كافية حتى الآن في توفير حلول مستدامة. فالمساعدات الطارئة، رغم أهميتها، لا تستطيع تعويض غياب خطط وقائية وبنية تحتية قوية تجعل المناطق النائية قادرة على الصمود أمام الأزمات. السكان المتضررون غالبًا ما يجدون أنفسهم في حالة انتظار طويل دون نتائج ملموسة، ما يفاقم من أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.


مع تكرار الكوارث الطبيعية وتزايد الأضرار في المناطق المهمشة، بات من الضروري أن تتحرك السلطات بسرعة لسد الفجوة بين "المغرب النافع" و"المغرب العميق". يجب على الدولة أن تضع خطة وطنية شاملة تراعي التوزيع العادل للموارد والاستثمارات، لضمان أن تكون جميع مناطق البلاد مستعدة لمواجهة الكوارث، وأن تتمتع بنفس الحقوق في الحصول على الدعم والمساعدة.


يظل السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت الدولة ستتخذ خطوات فعلية نحو تحقيق هذا الهدف، أم أن هذه الفئات المهمشة ستظل تدفع فاتورة الإهمال والتهميش؟ ومع استمرار الأزمات، يبدو أن الحلول المؤقتة لن تكون كافية لمعالجة الفوارق الكبيرة بين المناطق في المغرب.


زكرياء تيشوة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إلى كل من يتجرأ على تشويه نضال الأمازيغ الأحرار ويشكك في وطنيتهم

حين يصبح القمع جوابًا: الشباب المغربي بين الهجرة وقمع الحريات