الجنوب الشرقي ، الجنوب المنسي
في الجنوب الشرقي من المغرب، تتوالى المآسي يومًا بعد يوم، وكأن الزمن توقف. هذه المنطقة، التي تحمل ثروات دفينة من الفضة والمعادن، تعاني من الفقر والتهميش، حيث يغيب الضمير ويحل محله تحالف المصالح والفساد. جنوب يغلي بالغضب والكبت، حيث يعاني سكانه من بطالة وفقر مدقع، رغم ما تحويه أرضهم من خيرات لا تنعكس على حياتهم اليومية.
الهواء في هذه المنطقة ثقيل، يُشعرك كلما استنشقته برواسب الإهمال المتراكم. وجوه الناس حزينة، وألوان ملابسهم باهتة، وكأنهم في عزاء مستمر. الشوارع مكتظة بالبطالة والأمية، بينما الفرص تبدو بعيدة المنال. السكان عالقون في دوامة من الزمن، بينما أقدارهم تُحددها عقارب ساعة لا تكاد تتحرك.
الآباء يودعون أبناءهم بحثًا عن العلم أو العمل، لكنهم كثيرًا ما يعودون إليهم في صناديق خشبية، موتى نتيجة ظروف قاسية في الداخل أو الخارج. هؤلاء الناس لم يختاروا أن يعيشوا في هذه الظروف، لكنهم مجبرون على الاستمرار في مواجهة حياة فقدوا فيها كل شيء. ومع ذلك، يبدون وكأنهم قد استسلموا للنوم العميق، غارقين في سبات يمنعهم من النهوض لتغيير مصيرهم. وكأن الوسائد التي يستندون عليها تفوق الحرير نعومة، تمنعهم من الشعور بواقعهم القاسي.
اقتصاد الجنوب الشرقي يعتمد بشكل كبير على ما تنتجه حقولهم و أبنائهم الذين يعيشون بعيدين عنهم، التي تعيل أسرًا كبيرة. أما في الداخل، فلا تزال الفرص محدودة. الاستثمار معطل بسبب الفساد والرشوة، وحتى المشاريع الصغيرة أصبحت مجرد بقع ضئيلة في اقتصاد متهالك. الحصول على ترخيص مشروع هنا قد يفوق تكلفة المشروع نفسه، حيث يتحكم "باك صاحبي" في كل شيء.
يبدو أن سكان الجنوب الشرقي يدفعون ثمن أخطاء الماضي، عندما كان أجدادهم يرفضون الخضوع لأي نظام، مما جعل المنطقة تظل مهمشة ومعزولة. ربما من يحكمون اليوم هم نفسهم من يكرسون هذا التهميش، حيث يركزون على مصالحهم الشخصية ويرسلون أبناءهم للدراسة في الخارج بينما يتركون بقية السكان يعانون.
ومع ذلك، فإن مصير الجنوب الشرقي ليس مغلقًا. التغيير ممكن، وسكانه يملكون القوة لصنع القرار. إن لم يستيقظوا الآن ويأخذوا بزمام المبادرة، فلن تتاح لهم فرصة أخرى. عليهم أن يدركوا أن مستقبلهم بأيديهم، وأن الاستسلام
للنوم لن يجلب لهم سوى المزيد من البؤس
زكرياء تيشوة
تعليقات
إرسال تعليق