واحة دادس
واحتنا التي كنا نكبر تحت ظلال أشجارها تخاطبكم
" أنا تلك الواحة التي كانت تعج بالحياة والفرح، كنت شاهدة على لعب الأطفال تحت ظلالي، حيث كانوا يستمتعون بثمار أشجاري اللذيذة، وزغردة عصافيري كانت تملأ الأجواء بمرحها. كانت مياهي تجري بنعومة، تخريرها موسيقى تعزف لحن الحياة، وتُغذي كل شجرة وزهرة على أرضي.
أذكر أيام الحصاد كأنها بالأمس، حيث كانت نساء القرية يزغردن ويغنين، ينثرن الفرح في كل زاوية، وتعم الفرحة قلوب الجميع. كانت أشجار المشمش والخوخ تملأ البساتين بثمارها، وكان الجميع يأكل منها، من حيوانات وطيور وأطفال. كانت الحقول تُزرع بجد واجتهاد، ونعمة الماء كانت تملأ الأنهار، وكل شيء كان ينبض بالحياة والازدهار. كنت مصدر رزق للعديد منكم، أعطيكم من خيري وتردون إليّ بالحب والرعاية.
لكن الزمن لم يكن رحيماً بي. اليوم، أجد نفسي قاحلة، بعد أن جفت أنهاري، وغادرتني الطيور، وأشجاري تذبل وتحتضر. أشجار المشمش والخوخ التي كانت تتفاخر بثمارها، أصبحت على حافة الانقراض، بعدما كانت تغطي البساتين بثمارها اللذيذة. لم يعد أحد يزرع حقوله بعدما غادر الماء وجفت الأنهار. أرى أهل القرية يستغيثون، ولكن هل من مغيث؟
رسالتي الآن إلى الطيور التي غادرتني، إلى النهر الذي جف، وإلى الأشجار التي كانت تثمر وتملأ المكان بالحياة، وإلى كل الناس الذين عاشوا بثماري واستفادوا من رزقي. اشتقت إلى أيامكم، إلى تغريد الطيور عند بزوغ الفجر، وإلى خرير الماء الذي كان يغني ليلاً ونهاراً. اشتقت إلى رائحة الأزهار وإلى حفيف أوراق الأشجار. أنتم من كنتم تنشرون الفرح والحياة في أرجائي، وبدونكم أصبحت وحيدة وصامتة.
أتذكر الأيام الجميلة التي قضيناها معاً، وقلبي يملأه الحزن والأسى. أصبحت صورة من زمن بعيد، تتلاشى ببطء، تاركة في قلوبكم غصة وحنيناً إلى ما كان. كانت حياتي مليئة بالحيوية والنشاط، والفرح يعم كل زاوية، وها أنا الآن أتحول إلى ذكرى باهتة في قلوبكم.
إلى كل من عاش بثماري واستمتع بظلالي، أترك لكم هذا الأمل. هل سيأتي اليوم الذي تعود فيه الحياة إلى أراضيَّ؟ هل ستعود الأنهار لتجري من جديد، والطيور لتغني، والأشجار لتثمر؟ أترك لكم هذا السؤال، وأنتم الذين كنتم جزءاً من حياتي، لتتذكروني وتسعوا لإعادة الحياة إلى واحتنا التي كانت يوماً ما مليئة بالسعادة والحياة، ومصدراً لرزق العديد منكم.
ابكوا معي على الأيام التي مضت، واستذكروا معي تلك اللحظات التي لن تعود إلا بجهودكم ومحبتكم. أنا هنا، أنتظر عودتكم، أنتظر أن تعود الحياة إلى أراضيَّ، لتعيدوا لي الفرح الذي فقدته، ولتعيدوا لي الحياة التي كنت أعيشها معكم.
مني إليكم ( واحة دادس )
تعليقات
إرسال تعليق